سورة النور - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النور)


        


{إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15)}
النوع الرابع:
وهذا أيضاً من الزواجر قال صاحب الكشاف إذ ظرف لمسكم أو لأفضتم ومعنى تلقونه يأخذه بعضكم من بعض يقال تلقى القول وتلقنه وتلقفه ومنه قوله تعالى: {فَتَلَقَّى ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ} [البقرة: 37] وقرئ على الأصل تتلقونه وإتلقونه بإدغام الذال في التاء وتلقونه من لقيه بمعنى لفقه وتلقونه من إلقائه بعضهم على بعض وتلقونه، وتألقونه من الولق والألف وهو الكذب، وتلقونه محكية عن عائشة، وعن سفيان: سمعت أمي تقرأ إذ تثقفونه، وكان أبوها يقرأ بحرف عبدالله بن مسعود، واعلم أن الله تعالى وصفهم بارتكاب ثلاثة آثام وعلق مس العذاب العظيم بها أحدها: تلقي الإفك بألسنتهم وذلك أن الرجل كان يلقى الرجل فيقول له ما وراءك؟ فيحدثه بحديث الإفك حتى شاع واشتهر فلم يبق بيت ولا ناد إلا طار فيه، فكأنهم سعوا في إشاعة الفاحشة وذلك من العظائم.
وثانيها: أنهم كانوا يتكلمون بما لا علم لهم به، وذلك يدل على أنه لا يجوز الإخبار إلا مع العلم فأما الذي لا يعلم صدقه فالإخبار عنه كالإخبار عما علم كذبه في الحرمة، ونظيره قوله: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] فإن قيل ما معنى قوله: {بأفواهكم} والقول لا يكون إلا بالفم؟ قلنا معناه أن الشيء المعلوم يكون علمه في القلب فيترجم عنه باللسان وهذا الإفك ليس إلا قولاً يجري على ألسنتكم من غير أن يحصل في القلب علم به، كقوله: {يَقُولُونَ بأفواههم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} [آل عمران: 167].
وثالثها: أنهم كانوا يستصغرون ذلك وهو عظيم من العظائم، ويدل على أمور ثلاثة: الأول: يدل على أن القذف من الكبائر لقوله: {وَهُوَ عِندَ الله عَظِيمٌ} الثاني: نبه بقوله: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيّناً} على أن عظم المعصية لا يختلف بظن فاعلها وحسبانه، بل ربما كان ذلك مؤكداً لعظمها من حيث جهل كونها عظيماً.
الثالث: الواجب على المكلف في كل محرم أن يستعظم الإقدام عليه، إذ لا يأمن أنه من الكبائر، وقيل لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار.


{وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16)}
النوع الخامس:
وهذا من باب الآداب، أي هلا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا، وإنما وجب عليهم الامتناع منه لوجوه:
أحدها: أن المقتضى لكونهم تاركين لهذا الفعل قائم وهو العقل والدين، ولم يوجد ما يعارضه فوجب أن يكون ظن كونهم تاركين للمعصية أقوى من ظن كونهم فاعلين لها، فلو أنه أخبر عن صدور المعصية لكان قد رجح المرجوح على الراجح وهو غير جائز.
وثانيها: وهو أنه يتضمن إيذاء الرسول وذلك سبب للعن لقوله تعالى: {إِنَّ الذين يُؤْذُونَ الله وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ الله فِي الدنيا والآخرة} [الأحزاب: 57].
وثالثها: أنه سبب لإيذاء عائشة وإيذاء أبويها ومن يتصل بهم من غير سبب عرف إقدامهم عليه، ولا جناية عرف صدورها عنهم، وذلك حرام.
ورابعها: أنه إقدام على ما يجوز أن يكون سبباً للضرر مع الاستغناء عنه، والعقل يقتضي التباعد عنه لأن القاذف بتقدير كونه صادقاً لا يستحق الثواب على صدقه بل يستحق العقاب لأنه أشاع الفاحشة، وبتقدير كونه كاذباً فإنه يستحق العقاب العظيم، ومثل ذلك مما يقتضي صريح العقل الاحتراز عنه.
وخامسها: أنه تضييع للوقت بما لا فائدة فيه، وقال عليه الصلاة والسلام: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه».
وسادسها: أن في إظهار محاسن الناس وستر مقابحهم تخلقاً بأخلاق الله تعالى، وقال عليه السلام: «تخلقوا بأخلاق الله» فهذه الوجوه توجب على العاقل أنه إذا سمع القذف أن يسكت عنه وأن يجتهد في الاحتراز عن الوقوع فيه، فإن قيل كيف جاز الفصل بين لولا وبين قلتم بالظرف؟ قلنا الفائدة فيه أنه كان الواجب عليهم أن يحترزوا أول ما سمعوا بالإفك عن التكلم به.
أما قوله: {سبحانك هذا بهتان عَظِيمٌ} ففيه سؤالان:
السؤال الأول: كيف يليق سبحانك بهذا الموضع؟
الجواب: من وجوه:
الأول: المراد منه التعجب من عظم الأمر، وإنما استعمل في معنى التعجب لأنه يسبح الله عند رؤية العجيب من صانعه ثم كثر حتى استعمل في كل متعجب منه الثاني: المراد تنزيه الله تعالى عن أن تكون زوجة نبيه فاجرة الثالث: أنه منزه عن أن يرضى بظلم هؤلاء الفرقة المفترين الرابع: أنه منزه عن أن لا يعاقب هؤلاء القذفة الظلمة.
السؤال الثاني: لم أوجب عليهم أن يقولوا هذا بهتان عظيم مع أنهم ما كانوا عالمين بكونه كذباً قطعاً؟ والجواب: من وجهين:
الأول: أنهم كانوا متمكنين من العلم بكونه بهتاناً، لأن زوجة الرسول لا يجوز أن تكون فاجرة الثاني: أنهم لما جزموا أنهم ما كانوا ظانين له بالقلب كان إخبارهم عن ذلك الجزم كذباً، ونظيره قوله: {والله يَشْهَدُ إِنَّ المنافقين لكاذبون} [المنافقون: 1].


{يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18)}
النوع السادس:
وهذا من باب الزواجر، والمعنى يعظكم الله بهذه المواعظ التي بها تعرفون عظم هذا الذنب وأن فيه الحد والنكال في الدنيا والعذاب في الآخرة، لكي لا تعودوا إلى مثل هذا العمل أبداً وأبدهم ما داموا أحياء مكلفين، وقد دخل تحت ذلك من قال ومن سمع فلم ينكر، لأن حالهما سواء في أن فعلا ما لا يجوز وإن كان من أقدم عليه أعظم ذنباً، فبين أن الغرض بما عرفهم من هذه الطريقة أن لا يعودوا إلى مثل ما تقدم منهم وهاهنا مسائل:
المسألة الأولى: استدلت المعتزلة بقوله: {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} على أن ترك القذف من الإيمان وعلى أن فعل القذف لا يبقى معه الإيمان، لأن المعلق على الشرط عدم عند عدم الشرط والجواب: هذا معارض بقوله: {إِنَّ الذين جَاءوا بالإفك عُصْبَةٌ مّنْكُمْ} [النور: 11] أي منكم أيها المؤمنون فدل ذلك على أن القذف لا يوجب الخروج عن الإيمان وإذا ثبت التعارض حملنا هذه الآية على التهييج في الإتعاظ والانزجار.
المسألة الثانية: قالت المعتزلة دلت هذه الآية على أنه تعالى أراد من جميع من وعظه مجانبه مثل ذلك في المستقبل وإن كان فيهم من لا يطيع، فمن هذا الوجه تدل على أنه تعالى يريد من كلهم الطاعة وإن عصوا، لأن قوله: {يَعِظُكُمُ الله أَن تَعُودُواْ} معناه لكي لا تعودوا لمثله وذلك دلالة الإرادة والجواب: عنه قد تقدم مراراً.
المسألة الثالثة: هل يجوز أن يسمى الله تعالى واعظاً لقوله: {يَعِظُكُمُ الله أَن تَعُودُواْ}؟ الأظهر أنه لا يجوز كما لا يجوز أن يسمى معلماً لقوله: {الرحمن * عَلَّمَ القرءان} [الرحمن: 1، 2].
أما قوله تعالى: {وَيُبَيّنُ الله لَكُمُ الآيات والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ} فالمراد من الآيات ما به يعرف المرء ما ينبغي أن يتمسك به، ثم بين أنه لكونه عليماً حكيماً يؤثر بما يجب أن يبينه ويجب أن يطاع لأجل ذلك، لأن من لا يكون عالماً لا يجب قبول تكليفه، لأنه قد يأمر بما لا ينبغي، ولأن المكلف إذا أطاعه فقد لا يعلم أنه أطاعه، وحينئذ لا يبقى للطاعة فائدة، وأما من كان عالماً لكنه لا يكون حكيماً فقد يأمره بما لا ينبغي فإذا أطاعه المكلف فقد يعذب المطيع وقد يثيب العاصي، وحينئذ لا يبقى للطاعة فائدة، وأما إذا كان عليماً حكيماً فإنه لا يأمر إلا بما ينبغي ولا يهمل جزاء المستحقين، فلهذا ذكر هاتين الصفتين وخصهما بالذكر، وهاهنا سؤالات:
الأول: الحكيم هو الذي لا يأتي بما لا ينبغي، وإنما يكون كذلك لو كان عالماً بقبح القبيح وعالماً بكونه غنياً عنه فيكون العليم داخلاً في الحكيم، فكان ذكر الحكيم مغنياً عنه. هذا على قول المعتزلة، وأما على قول أهل السنة والجماعة فالحكمة هي العلم فقط، فذكر العليم الحكيم يكون تكراراً محضاً الجواب: يحمل ذلك على التأكيد.
السؤال الثاني: قالت المعتزلة دلت الآية على أنه إنما يجب قبول بيان الله تعالى لمجرد كونه عالماً حكيماً، والحكيم هو الذي لا يفعل القبائح فتدل الآية على أنه لو كان خالقاً للقبائح لما جاز الاعتماد على وعده ووعيده والجواب: الحكم عندنا هو العليم، وإنما يجوز الاعتماد على قوله لكونه عالماً بكل المعلومات، فإن الجاهل لا اعتماد على قوله ألبتة.
السؤال الثالث: قالت المعتزلة قوله: {يُبَيِّنُ الله لَكُمْ} أي لأجلكم، وهذا يدل على أن أفعاله معللة بالأغراض، ولأن قوله: {لَكُمُ} لا يجوز حمله على ظاهره لأنه ليس الغرض نفس ذواتهم بل الغرض حصول انتفاعهم وطاعتهم وإيمانهم، فدل هذا على أنه تعالى يريد الإيمان من الكل والجواب: المراد أنه سبحانه فعل بهم ما لو فعله غيره لكان ذلك غرضاً.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8